المادة    
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعــد:
وصلتنى رسالتكم، والحمد لله أنَّكم متمتِّعون بالصحة الجيدة، وأنَّكم مستمرون في الدراسة، ونسأل الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أن يعينكم، وأنْ تعودوا إلى أهلكم، وبلادكم، وأنتم في أحسن حال.
والذي دفعني إلى هذه الرسالة الشفوية إليكم: هو ما كتبتم لي من السؤال عن ما وقع عندنا -هنا في المملكة - من فتنة أثارها المدعو محمد علوي مالكي؛ وتقول لي: إن كتاب حوار مع المالكي الذي ألَّفه الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع وصلكم، وقد استفدتم منه، وتعجبتم، أو بتعبيركم "ذهلتم" من هذه الأمور، وهذه الشركيات، والمنكرات، وكيف أن هذا الرجل يرتكبها، ولكن -كما تقولون- وصلكم كتاب؛ بل بالأحرى عدة كتب أهمها: كتاب الرد على ابن منيع الذي ألَّفه يوسف هاشم الرفاعي الكويتي، وتقول أيضاً: إنَّه وصلكم أخيراً كتابان ألَّف أحدَهما رجلٌ من البحرين سماه: إعلام النبيل، والثاني: ألَّفه اثنان من المغاربة وسمَّياه التحذير من الاغترار بما جاء في كتاب الحوار، وتطلب مني باعتباري -كما ذكرتَ- متخصِّصاً في العقيدة، ومقيماً هنا في البلاد؛ بأن أكتب إليك مرئياتي عن هذا الموضوع، وعن حقيقة الخلاف بيننا وبين الصوفية، وهل الصوفية تعتبر هي أهل السنة والجماعة كما يزعم هؤلاء؟ وبقية الأسئلة التي -إن شاء الله- سآتي عليها من خلال هذه الرسالة.
فأنا -يا أخي- أعتذر لك عن الكتابة؛ لأنَّ مطلبك هذا الذي طلبتَه أن أكتبه؛ يحتاج إلى رسالة، وكما تعلم أنني مشغول جداً برسالتي التي أحضِّرها الآن، فكيف أستطيع أن أكتب لك رسالة أخرى عن التصوف، ونشأته، وعن الخلاف بيننا وبين أهله، هذا كلامٌ طويلٌ جدّاً، ونحن أحوج ما نكون إلى المنهج العلمي التفصيلي، الذي ينبني على الأدلَّة، والذي يتثبت وينقل مِن كتب هؤلاء القوم، ويتتبع أصول هذه الفرق جميعاً ليردَّ عليها ردّاً علميّاً صحيحاً سليماً، وهذا يتطلب جهداً كبيراً، وأمَّا مجرد خطبة عابرة، أو نقد عابر؛ فهذا من الممكن أن يكون في وريقات، لكن الذي أراه أنَّنا -نحن- أمام هجمة صوفية شديدة.
وكما ذكرتم لي سابقاً -عندكم في أمريكا- تلاحظون أنَّ التصوف بدأ ينتشر، وبدأ كمحاولة للصدِّ عن سبيل الله تعالى أي أنَّ الأمريكي الذي يريد الدخول في الإسلام يقال له: ادخل في هذا الدين فيدخل في التصوف، فيُحرم المسلمون منه، وربما ينفرون -كما حدثْتني عن بعضهم- لأنَّه إذا رأى ما في التصوف مِن الخرافات؛ ينفر مِن الإسلام نهائيّاً وينفِّر غيره، ويقول لهم: خرافات النصرانية أخفُّ مِن خرافات الإسلام، وهذا -والعياذ بالله- مِن صور الصدِّ عن سبيل الله.
ولاشك -يا أخي- أنَّ وراء ذلك مؤامرات يحيكها أعداء الإسلام من اليهود والنَّصارى، مستغلِّين هؤلاء الصوفية الذين كثيرٌ منهم زنادقة متسترون يريدون هدم الإسلام مِن الداخل، وعندما أقول ذلك لا تفهم منِّي أنَّني أقول: إنَّ كلَّ مَن يحضر المولد زنديق، أو كل مَن يحب الطرق الصوفية زنديق.
ليس هذا هو المقصود، المخدوعون بالدعوات كثيرٌ، ولكن نحن نتحدث عن التصوف كفكرة، وكعقيدة لها جذورها القديمة، ولها فلسفاتها المستقلة، ونتحدث كيف دخلتْ في الإسلام، وكيف خُدع بها أكثر هذه الأمة، فالذي نحكم عليه هو الصوفية، وأنتم تعرفون الثيوصوفية التي في أمريكا، والتي عرَّفها صاحب المورد العربي الإنجليزي زهير بعلبكي بأنَّها فرقة حديثة، نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية، وليست في الحقيقة حديثة بالمعنى الذي ذكره المورد، بل الثيوصوفية قديمة، وسأتحدث عنها -إن شاء الله- عندما أبدأ بموضوع نشأة التصوف.
لكن بخصوص سؤالك أنت ومن معك في المركز، وبعض إخوانكم في الله من المسلمين في أمريكا عن حقيقة ما جرى مِن هذه المشكلة، وعن موقف هؤلاء الذي دافعوا عن المالكي بخرافاته، وهو أنَّهم كثيرون كما تقولون.
  1. حوار المالكي مع علماء المملكة

    أقول لكم: ما جرى مع المالكي ليس في حاجةٍ إلى أن يدافع عنه أحد على الإطلاق؛ لأنَّ المسألة: مسألة اعتراف وإقرار، والاعتراف هو سيِّد الأدلة، هذه حقيقة معروفة، فـمحمد علوي مالكي اعترف هو بنفسه في محضرٍ رسمي أمام الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله والشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ورئيس الحرمين، وكُتب هذا الاعتراف في محضرٍ رسميٍّ، والمعاملات محفوظة لدى الإفتاء، ولدى مجلس القضاء الأعلى، وشئون الحرمين، معاملات، وصور، وملفات لهذه القضية، فيها اعترافات الرجل، وهذا الرجل معترف بأنه ألَّف الذخائر، وكتاب الذخائر ليس هو الذي ألَّفه؛ لأن كتاب الذخائر مذكور فيه -وأنا الآن أفتحه أمامي- ما يدل على أنَّ هذا الكتاب مِن تأليف والده، ففي صفحة (33) منه؛ يقول: ''إنَّه سافر إلى المدينة، واطلع على المخطوط عام (1354هـ)'' فهذا على ما هو معروف من عُمْر محمد علوي مالكي أنَّه لم يكن قد ولد في تلك الفترة، أو على أكثر تقدير أنَّه مازال طفلاً؛ فالذي كتبه إذاً هو أبوه، المهمُّ أنَّه اعترف بأنَّه ألَّف هذا الكتاب، وأنَّه له، وما فيه من الأمور الشركية: يقول: ''إنَّني نقلتُها عن غيري، وأخطأتُ! وفاتني أن أنبِّه على أنَّها شركٌ-'' يمكنك مراجعة صفحة [12، 13] من كتاب الحوار للشيخ ابن منيع-.
    فما دام أن الرجل اعترف، ومادام أن المتهم المجرم الجاني اعترف، فما الدَّاعي إلى أن يأتي أحدٌ ويدافع عنه، فمن الممكن أن يدَّعي الإكراه؟!
    لكن كان ينبغي ويجب عليه أن يبين، ويقول: أنا أُكرهت على ذلك، وأن ينشر ذلك في داخل المملكة، أو في خارجها، أو يقوله للنَّاس إذا جلس معهم.
    أمَّا نحن فكما تعلم كم يُقطع من الرقاب في الحدود -عندما تقطع رقاب، أو أيدي، أو يُجلد- بناءً على الإقرار أمام قاضي عادي في محكمةٍ شرعيَّةٍ من المحاكم في المملكة، فينفَّذ الحدُّ على المجرم بإقراره أمام هذا القاضي، وربما يكون هذا القاضي حديث العهد بالقضاء [خرِّيج كليَّة] فما بالك برئيس مجلس القضاء الأعلى، وبرئيس الإدارات العلمية، والبحوث والإفتاء، وبرئيس الحرمين الشريفين، ومَن حضر معهم مِن العلماء، وهم كبار العلماء في المملكة؟!
    هل يخطر ببالكم -يا أخي- أنَّ هؤلاء العلماء يتواطئون جميعاً، ويتفقون على أن يفتروا على الرجل محضَراً، وينسبوا إليه فيه أنَّه اعترف، وأنَّه أقر أنَّ هذا شرك؟!
    كيف يمكن هذا وقد سجَّلوا عليه اعترافه، وهم ليسوا محل التهمة، وليس هناك مِن داعٍ لأن يظلموه؟!
    ولو أنَّه أنكر تأليف الكتاب بالمرَّة لقالوا ذلك، كما ذكروا أنَّه أنكر كتاب أدعية وصلوات -مثلاً- في هذا المحضر، والمحضر أصبح الآن وثيقة تاريخية.
    هذه الإدارات الثلاث بالإضافة إلى مجلس الوزراء؛ تحتفظ -جميعاً- بطبيعة الحال بأرقام لهذا المحضر وبملفات له.
    فمَن اعترف، وأقر بأنَّ هذه الأمور شركٌ لا يحقُّ له -فضلاً عن أحدٍ من أتباعه الذين يعيشون في المغرب، أو في البحرين، أو في الكويت أو غيره- أن يدافع عنه، أو أن يقول: إنَّه مظلوم، أو أن يتمحل له العلل والمعاذير، هذا بالنسبة له في ذاته.
  2. نسب محمد علوي المالكي

    القضية الأخرى: قد تكون قضية جزئيَّة، أو فرعيَّة، لكنَّها مهمَّة من ناحية أخرى، وهى قضية نسب هذا الرجل!
    تقولون: إنَّه ما كان ينبغي للشيخ ابن منيع أن يشكك في نسب الرجل!
    أقول لكم أنتم تعرفون الوضع عندنا هنا في المملكة وتعرفون الأشراف المقيمين عندنا في الحجاز وتعرفون كم مِن الأُسَر يتبرأ منها الأشراف الموجودون حاليّاً في مكة -يتبرءون مِن أُسَرٍ كثيرةٍ- ويقولون: إنَّ هذه الأُسَر تدَّعي النَّسب لآل البيت وليست منَّا! إمَّا أنَّهم ليس عندهم شجرة، أو أنَّ شجرتهم مكذوبة.
    وتعرفون ما فعله العبيديون القرامطة في بلاد المغرب مِن ادعائهم النَّسب الشريف، وهم ليسوا منه، فهذه القضية -يا أخي- ليست قضية قذف كما يزعم هؤلاء المغفلون، يقولون: إنه قاذف!!
    إذا جاءنا رجل مِن الجنس القوقازي، أو الجنس الصيني، أو من أي بلدٍ، وادَّعى أنَّه مِن أهل البيت؛ فنحن -على كلامه- أمام خيارين: إما أن نقول: نعم، هذا مِن آل بيت الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإما أن نقول: لا، فيقولون: أنتم قذفتموه.
    لا -يا أخي- النسب هذا علمٌ معروفٌ، وفى علم النَّسب يقال: هذه القبيلة تنتسب إلى كذا، ولا تنتسب إلى كذا، وأخطأ من نسبها إلى كذا، أو ادِّعاؤه أنَّ فلاناً مِن قبيلة كذا ليس صحيحاً! وإنما هو من قبيلة كذا.
    فهم الآن لم يقذفوا أُمَّ رجل معين بأنَّها -والعياذ بالله- زنت! ليس هذا هو القذف، إنما هذا تصحيحٌ للنَّسب، وتطهير لنفس النَّسب الشريف، وإلا لادَّعى كلُّ مدَّعٍ ما شاء، والنَّسب هذا يترتب عليه إرث ويترتب عليه أحكامٌ أخرى مثل -كما تعلم-: أنَّ آل البيت تحرُم عليهم الزكاة، ولهم الخمس، ولهم أحكام كثيرة تترتب وتتوقف على ثبوت ذلك، فكون الإنسان يتأكد منه هذا لا يعني القدح، ولا يعني الطعن، وكون الإنسان يشكِّك فيمن هو أهلٌ لأن يُشكَّك في نسبه؛ أنا أقول لك بصريح العبارة: إنَّ الشيخ ابن منيع ربما ليس لديه الأدلَّة الكافية، أو القراءة الكافية عن بعضهم، لكن أنا أقول: إنَّه على حقٍّ في التشكيك في نسب المالكي، بدليل:
    أولاً:
    هناك أقرباء لـمحمد علوي مالكي موجودون الآن في مكة، وهم -مِن فضل الله- معتزلون لشركياته، وضلالاته، وهؤلاء يقولون: نحن نعرف أنَّ جَدَّنا مِن المغرب، وقدِم إلى مكة.
    أمَّا قضية النَّسب؛ فهذا أمر يعلمه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهم غير متأكدين، ولا يجزمون في ذلك، هؤلاء مِن نفس أسرته يجمعهم وإياه جَدٌّ واحدٌ.
    ثانياً:
    عندنا زعماء التصوف ننظر إلى تاريخهم. كمثال: هاشم الرفاعي -الذي ردَّ على الشيخ ابن منيع- يسمِّي نفسه: يوسف السيد هاشم الرفاعي، ويذكر في كتابه استدلالات من كتاب: السيد أحمد الرفاعي مؤسس الطريقة الرفاعية وأحمد الرفاعي هذا يقول عنه الشعراني في الطبقات الكبرى -وهو أكبر طبقات المتصوفة، ومِن أوثق مراجعهم- يقول في ترجمته:
    "ومنهم: الشيخ أحمد بن أبي الحسين الرفاعي رضي الله تعالى عنه، منسوبٌ إلى بني رفاعة -قبيلة من العرب- وسكن أم عبيدة بأرض البطائح إلى أن مات بها رحمه الله".
    إذا نظرنا إلى رفاعة القبيلة المعروفة عندنا الآن في الحجاز؛ هذه القبيلة ليست من قريش أصلاً، فكيف يكون الرفاعي قرشياً؟!
    فضلاً عن أن يكون مِن آل البيت؟
    لو أنَّ رجلاً مِن أقرب النَّاس إلى آل البيت كرجل من بني أميَّة لا يجوز له أن يقول: أنا مِن آل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بمعنى أنَّه من ذرية الحسن والحسين، أو غيرهما، وإن كان من نفس قريش، ومِن أسرةٍ قريبةٍ مِن آل البيت، فكيف يجوز لرجل مِن رفاعة؟
    بل الرفاعي لم يدَّع -فيما أذكر- ذلك وهذا الشعراني يقول: إن رفاعة قبيلة من العرب منسوب إليها هذا الرجل.
    أيضاً: ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية في ترجمة أحمد الرفاعي: إنَّه منسوب إلى رفاعة قبيلة مِن العرب.
    هذا الرجل يدَّعي له بعض الصوفية أنَّه مِن آل البيت ويعملون له شجرة، ومنهم: ابن الملقن -مثلاً- في طبقات الأولياء صفحة [93]، وكذلك أبو الهدى الصيادي أحد الرفاعية الموجودين في هذا العصر، ألَّف كتاباً وقال فيه: إنَّ الرجل مِن آل البيت، ويعملون له شجرة، ويصرُّون على نسبته إليهم، ويضعون أمام اسمه كلمة [السيِّد] أو [سيدي]، فإذاً نحن في الحقيقة من حقنا أن نشك؛ لأن هناك سوابق.
    ومثله كذلك الشاذلي: فـالشاذلية -الآن- يدَّعون ما تدَّعيه الرفاعية أنَّ الشاذلي مِن آل البيت! بينما -مثلاً- ابن الملقن هذا نفسه الذي ذكر شجرة نسب الرفاعي، يقول في ترجمة الشاذلي " اسمه: علي بن عبد الله بن عبد الجبار بن يوسف أبو الحسن الهذلي الشاذلي "
    يقول: وقد انتسب في بعض كتبه إلى الحسن بن علي بن أبى طالب.
    فهذا مِن هذيل، وهذا من رفاعة، وكلٌّ منهم يدَّعي أنَّه مِن ذرية الحسين أو الحسن أبناء علي بن أبي طالب فكيف يُصدَّق هذا؟!
    ويقول ابن الملقن: " إنَّ الشاذلي ذكر نسبه، ثم وصَّل ذكر هذا النَّسب إلى علي بن أبي طالب، قال ابن الملقن وتُوقِّف فيه " أي: لا نستطيع أنْ نجزم بأنَّ الشاذلي أيضاً مِن ذرية الحسن، وإنَّما هو مِن هذيل، فإذا كان هذا مِن رفاعة، وهذا مِن هذيل، فأين هاتان مِن قريش، فضلاً عن بني هاشم، فضلاً عن الحسن والحسين رضي الله عنهما؟
    فهذا يدل على أنَّ للعبيديين خلفاً كثيراً، وأنَّ كثيراً مِن الملايين التي تنتسب إلى آل البيت في إيران، وفي المغرب، وفي حضرموت، وفي بلاد كثيرة، كثيرٌ منهم: نسبه غير صحيح، بل قد ظهر حديثاً في مكة كتابٌ -طبع هذه السنَة- عن الأشراف، وأنسابهم، وكما سمعتُ أنَّه مُنع؛ لأنَّه اعترَضَ عليه كثيرٌ مِن النَّاس.
    والأشراف كما قلنا: إنهم يتبرءون مِن كثيرٍ مِن الأُسر، ومِن كثيرٍ مِن العائلات.
    فعلى كل حال: ما يتعلق بأنَّ فلاناً نسبه صحيح، أو غير صحيح؛ ليس مستوجباً للقذف كما يفتري هؤلاء الدجالون، وإلاَّ لكان ابن الملقن نفسه قاذفاً، وهو مِن أئمتهم، وكَتب في طبقاتهم، ولكان الشعراني أول مَن قذف؛ لأنَّه يقول: '' إن أحمد الرفاعي من بني رفاعة، القبيلة المعروفة، وليس مِن آل البيت ''.
    فليكن عندنا معلوماً أن الصوفية يتسترون بالنسب الشريف، وأنَّ هذه دعوى استفادوها من الشيعة، بل سنعرض -إن شاء الله عندما نتكلم عن نشأة التصوف- أن أصل التصوف هو التشيع، وأن أول ما وجد التصوف كان في صفوف الشيعة، ولذلك نجد الصلة بين التصوف وبين التشيع قويةً جدّاً، ونجد أنَّ كثيراً مِن الضلالات والخرافات مشتركة بين الطائفتين، خرافات مشتركة بالفعل، ويجمع الطائفتين دعوى الغلو، هؤلاء غَلَوا في علي، وهؤلاء غَلَوا في الرسول محمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
  3. موقفنا من الكتب التي ردت على الشيخ ابن منيع وعلماء المملكة

    أمَّا قضية رأيي -كما ذكرتم- في هذه الكتب، وفي ردِّهم على الشيخ ابن منيع والعلماء في المملكة؟
    فأنا -يا أخي- أقول لك: إنَّ الشيخ ابن منيع -جزاه الله خيراً- والعلماء الذين كتبوا في ذلك، وبالأخص كتاب الشيخ ابن منيع؛ لأنَّ كتابه يركِّز على قضية المولد.
  4. خلافنا مع الصوفية

    أحب أن أقول: إنَّ القضية التي نختلف نحن والصوفية فيها ليست هي قضية المولد، القضية أكبر من ذلك وأعظم.
    الصوفية ديانة قديمة، معروفة لدى الهنود، ولدى اليونان القدماء، جاءت هذه الديانة ودخلت وتغلغلت في الإسلام باسم الزنادقة، والزنادقة هم الذين أدخلوها في الإسلام باسم التصوف، والتعبد، وباسم الزهد -كما سنعرض ذلك إن شاء الله- فالخلاف معهم ليس محصوراً فقط في تعظيم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما أراد الرفاعي، والبحريني، وكذلك المغاربة، وإن كانت كتبهم تتحدث عن منـزلة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن عظمته ومعجزاته وخوارقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلى آخره.
    نقول: بغض النظر عمَّا احتوته هذه الكتب مِن الأباطيل، والتناقضات، والشركيات؛ فالخلاف بيننا وبينهم ليس في قضية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبداً، هذه جزئية، نعم. هي إحدى فروع المسائل التي نختلف نحن وإيَّاهم فيها، أنَّهم غَلَوا، واشتطوا، حتى شابهوا النَّصارى، ونحن اقتصدنا وعظَّمْنا رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما عظمه الله به، وبما صحَّ في سنَّته وسيرته.
    ليس الموضوع هو أنَّهم يحبون رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر منَّا -كما يزعمون- والخلاف بيننا وبينهم ليس في المولد، وليس في كيفية الذكر، أو في أنواع التوسل التي أطالوا وأطنبوا في تفصيلها، وليس في تعريف البدعة، هل هي خمسة أنواع، أو نوعين، أو نوع واحد؟
    لا؛ الخلاف بيننا وبين الصوفية هو خلاف بين الإسلام وبين ديانة وثنية فلسفية قديمة، خلاف في الربوبية، والألوهية، أهي لله وحده، أم له فيها شركاء كما يدَّعون؟!
    لأنَّ دعوى الصوفية أنَّ الربوبية والألوهية -أو كثيراً من حقائق الألوهية والربوبية- يمكن إعطاؤها للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو للأولياء، أو مَن يسموهم الصالحين، هذا: شركٌ أكبر، لكن ليست هذه فقط!! يعني: الصوفية لم تكتفِ بأن تَصرِفَ الألوهية لهؤلاء، وإنَّما صرفتْها للزنادقة، والدجالين، والكهان، والمشعوذين.
    ولابد أنَّكم تعرفون الرجل الذي عندنا هنا في مكة، يُدعى: السيد الأهدل، وقد سألني بعض النَّاس يقول: هل أذهب لأتعالج عنده؟
    وهذا هو شيخ محمد علوي مالكي، رجلٌ خرافيٌّ، يقول للناس: أحضِروا تَيْساً أسود، واذبحوه، ولا تذكروا اسم الله، وافعلوا كذا، وافعلوا كذا ونحوها من الشعوذات والكهانات وينجِّم للرجل وللمرأة، ويقول: نجم المرأة كذا، ونجم الرجل كذا، فإن كانت النُّجوم متطابقة قال: لا بأس أن تتزوجها. شعوذات غريبة ينقلها لنا العوام هنا في مكة فمن مثل هذا الدجل والشعوذة، يصرفون ربوبية الله، وألوهيته للمشعوذين، والدجالين، المتعاطين السحر، المتعاملين مع الجن، الذين يقولون: نحن نعلم الغيب، ويطلبون مِن المريدين أن يقدِّموا لهم العبوديات التي لا تليق إلا بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
  5. عقيدتنا في الرب تعالى

    نحن نعرف أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو وحده المتصرف في الكون، هذه حقيقة لا يمكن أن يماري فيها أي مسلم، ونعرف أنَّ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي عنده اللوح المحفوظ، وهو الذي يمحو ما يشاء ويثبت، وهو الذي يحي ويميت، وهو الذي يعلم ما تسقط مِن ورقة في ظلمات البرِّ والبحر، والذي يفتح أبواب الجنَّة لمن شاء، أو يفتح أبواب النار -والعياذ بالله- لمن يريد، وهو الذي يسلب الإيمان مِن القلوب، أو يضع فيها اليقين، ولا أحدَ يملك ذلك غيره، ونعتقد أنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي يغيث الملهوفين في الكربات، والظلمات، ويعلم ما في سرائر القلوب، وما تختلج به الخواطر، إلى غير ذلك.
    لكن هؤلاء القوم يقولون إنَّ مِن أوليائهم مَن يتصرف في الأكوان، فتراهم يقولون في حلقة الذكر الجيلانية: عبد القادر يا جيلاني يا مصرف الأكوانِ!!
    فإذا كان عبد القادر الجيلاني هو المتصرف في الأكوان، فماذا بقي لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟!
    وسأنقل إليكم أدلةً كثيرةً جدّاً مِن كتاب الشعراني تدل على هذا الشرك الأكبر، منها: أنهم يذكرون أنَّ هناك مَن يرى اللهَ، ومَنهم مَنْ يخاطبُه في الدنيا، ويكلِّمه، ومَن يقول له: هذا حلال، وهذا حرام.
    ويذكرون: أنَّ هناك منهم مَن يستأذن جبريل قبل أن يبدي رأيه، حيث يأتي المريد يسأله فيقول: أمهلني حتى أستأذن جبريل!! فيسأل جبريل فيجيبه!!
    ويذكرون: أنَّ منهم مَن يمسك الشمس عن الغروب! ومنهم مَن يعلم مِن أسرار القرآن ما لا يعلمه ملَكٌ مقرَّبٌ، ولا نبيٌّ مرسلٌ! ويقولون: إن الولي فلان كان يحك رأسه بقائمة عرش الرحمن! ويقولون: إن فلاناً جاءه أحدُ المريدين، وقال له: لماذا لا تحج؟
    فقال: هل يحج مَن تطوف حوله الكعبة؟!
    قال المريد: كيف ذلك؟
    فقال: انظر، ورأى الكعبة وهى تطوف حول الشيخ!! وهى تُغنِّي -أي: الكعبة- وتقول: إن له رجالاً، دلِّلهم دَلاَلاً.
    أشياء كثيرةٌ جدّاً إن شاء الله سأتعرض لبعضها.
  6. هل التصوف اليوم مجرد زهد وأذكار؟!

    المقصود: أن بعضكم -أي: بعض الشباب هناك في أمريكا وغيرها- يحسبون أنَّ التصوف مجرد زهد، وأذكار، واحتقار لمتاع الدنيا الفاني!
    وبعض الناس قد يتعاطف مع المتصوفة بناءً على هذا الاعتبار، الحقيقة -يا أخي-: إن التصوف ليس هو المولد، وليس هو مجرد الذِّكر، أو مجرد الزهد -كما يدَّعون- وإنَّما الصوفية دينٌ آخر، وعالَمٌ آخر، إذا دخله الإنسان وبدأ فيه: فعليه أن يخلع عقلَه عند عتبة الدخول، وهناك يدخل في عالم غريب، عالَمٌ يُخيِّلُ إليك -عندما تقرأ في كتب طبقاتهم ورجالهم- كأنَّك تقرأ في القصص الخرافيَّة، مثل سيف بن ذي يزن ومثل: عنترة وكتب الأسمار، والأخبار، وغير ذلك.
  7. مصدر التلقي عند الصوفية

    والذي أحب أنْ أقوله: إنَّ كتاب الرفاعي، وكتاب البحريني، وكتاب هؤلاء المغاربة جاء على خلاف الأصل عند الصوفية، كيف هذا؟
    الأصل عند الصوفية: أنَّ مصدر التلقِّي، ومصدر المعرفة؛ ليس هو القرآن والسنَّة؛ حتى يأتي هؤلاء فيقولون: قال الله تعالى كذا، وقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذا، صحيح أنكم يا أهل السنة تضعِّفون الحديثَ؛ ولكن نحن نصححه! والمسألة: خلافية، ولا داعي للتكفير! ولماذا يكفِّر بعضُنا بعضاً في مسألة خلافية؟!
    ونحن نهتم بحرب الصهيونيَّة، والشيوعية، ولا نختلف فيما بيننا... إلى آخر كلامهم من مثل هذا الافتراء والدجل.
    أقول: منهج هؤلاء النَّاس: ليس هو هذا، أنت ترثي الإنسان عندما يحارب في غير ميدانه، أو عندما يتكلف ما لا قِبَل له به.
    فالأصحاب هناك مع المريدين يرقصون في الحضرة! ويتلقون العلم اللدنِّي -كما يسمُّونه- العلم الحقيقي مباشرة، وهذا جالس يقول: هذا الحديث صحيح، وهذا ضعيفٌ، وهذا كذا وهذا خلاف الأصل! المفروض أن يذهب يرقص معهم ويتلقَّى من هناك العلم على زعمهم.
    فأقول لك: إنَّ كلامك في قضية "أنك تقول: إن بعض الطلبة الكويتيين قالوا: إن هاشم الرفاعي ليس هو الذي كَتَبَ الكتاب"، نعم، الحقيقة أنَّ معهم حقٌّ في ذلك؛ لأنَّ أسلوب الكتاب يذكِّرني ببعض كتبٍ كتَبَها أناسٌ مِن المبتدعة، وردُّوا بها على أهل السنة قبل خمس عشرة سنة، أو نحو ذلك، وبعضهم أعرِف أنَّه موجودٌ في الكويت، فلا شك أنَّ هناك تعاوناً.
    ومِن أدلة التعاون: هذا التظافر الموجود؛ هذا مِن المغرب، وهذا مِن البحرين، وهذا مِن الكويت، وقالوا: سيخرج كتاب لرجل مِن مصر، وواحدٌ مِن اليمن، كما هو مذكور في هذه الكتب.
    أقول: إنَّ هذا ليس أسلوب الصوفية أن يأتوا إلى الحديث، ويصحِّحوه، أو يضعِّفوه؛ ليأخذوا منه الحقيقة والعلم، لا.
    الحلاج -إمامهم المتقدم - الذي قُتل بالزندقة -بعد أن ثبت ذلك عنه- ما كان يعتكف ليتعبَّد، ويدعو الله عز وجل، فتنكشف له بعض الأشياء -مثلاً- ويقول: هذا علمٌ أطلعني الله عليه، لا، بل ذهب إلى الهند، ورأى سحرة الهند يقف الواحد منهم على رأسه الأيام الطويلة بدون أكل، ولا شرب، ولا نوم، فتعلَّم هذه الرياضة منهم، فإذا وقف على رأسه هذه الفترة: يدخل في المرحلة التي يسمونها [المالوخوليا] وتأتي له صور وخيالات مِن الجوع، ومِن هذه الانتكاسة، ومِن الشياطين، ويخيَّل له أشياء، ومخاطبات، وكلام، فيقول: الله خاطبني! أو الرب كلَّمني! أو كذا، ثمَّ يترقَّى إلى أنْ يقول: أنا الله!! ما في الجبَّة إلا الله!! أو سبحاني سبحاني وكما قال البسطامي كما هو ثابت مِن أبياته في ديوانه:
    كفرتُ بدين الله والكفـرُ واجبٌ            لديَّ وعند المسـلمين قبيح
    انظر: ديوان الحلاج صـ [34] .
    ومرة أخرى ينتكس ويقول:
    على دين الصليب يكـون موتي            فلا بطحا أريـد ولا المدينةانظر: ديوان الحلاج صـ [85]
    أي: يذكرأنَّه صليبيٌّ -والعياذ بالله- فنفس ما وقع للحلاج! عندما يقول هذا الكلام: قام علماء السنَّة فكفروه بناءً على هذه الكفريات الشنيعة، فقام المدافعون عنه -مثل ما قام الرفاعي يدافع عن المالكي- وتأولوا بعد أن عمل هذا العمل، وقالوا -أي: المتأولة- انتظروا لماذا تكفروه؟
    نحن نأتي لكم بأدلة! ثمَّ قالوا: نعم، روى أبو نعيم في الحلية كذا، وكذلك: عندنا ابن عساكر روى كذا، بعض هذه الأشياء استنتجوها، وبحثوا عنها، ووجدوها بعد أن قُتل الحلاج بسنواتٍ طويلةٍ، والحلاج لم يقرأها، ولم يطَّلع عليها، ولا قال ما قال لأنَّه اطَّلع على الكتاب والسنَّة، ثم استنتج منها هذا الاستنتاج.
    بل أنا أضرب مثالاً وهو أنه يوجد عندنا كتاباً اسمه: الدرة المضيئة يذكر فيه متى بدأتْ كلمة "سيدنا" -أشهد أنَّ سيدنا محمَّداً رسولُ الله في الأذان ، حيث ذكر أنَّ أحد سلاطين المماليك رأى في المنام الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: قل للمؤذِّن إذا أذن أن يقول: -أشهد أنَّ سيدنا محمَّداً رسول الله، فلما استيقظ السلطان هذا؛ أمر المؤذنَ أنْ يقول ذلك، فسمعها بعضُ الخرافيِّين من الصوفية، فقالوا: رؤيا حسنة، واستحسنوا ذلك.
    نحن الآن -في هذا العصر- عندما نقول: هذه الكلمة لا تضاف في الأذان؛ يقولون: كيف لا تضاف، وعندنا أحاديثُ صحيحةٌ على أنَّ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو سيد ولد آدم، وأنَّه كذا، وأنَّه كذا؟
    وأنتم تنكرون سيادة الرسول! أنتم تكرهون الرسول! أنتم تعادون الرسول! فيهاجموننا بهذا الكلام؛ بينما نجد أن أصل القضية لم يكن أنَّهم قرءوا البخاري أو مسلم، ووجدوا أحاديث السيادة، فوضعوها في الأذان، إنما أصلها رؤيا، فـالصوفية تعتمد في مصدر التلقِّي على المنامات، والأحلام، وعلى التخيُّلات، والتكهنات، وعلى ما يسمونه الذوق، أو الوجد، أو الكشف، هذا هو مصدر القوم.
    فبعد ذلك يأتي مَن يفلسف هذه الأشياء التي ثبتت عندهم، ووصلتهم إلى هذا الطريق، ويقول: إنَّ لها أصلاً، إنَّها تقوم عليها الأدلة الشرعيَّة، فهي مأخوذة مِن الكتاب والسنَّة، ثم يزعمون -كما زعم الرفاعي- أنَّهم هم أهل السنة والجماعة، وهم الذين على الحق، وأنَّ المخالفين لهم: مِن الخوارج، أو الغلاة، أو المتنطعين، أو التكفيريين، إلى آخر هذا الهراء!